آية رقم 29 - سورة الفُرقَان - تفسير القرآن الكريم
لَّقَدۡ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَنِيۗ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِلۡإِنسَٰنِ خَذُولٗا
تفسير الميسّر
واذكر - أيها الرسول - يوم يَعَضُّ الظالم لنفسه على يديه ندمًا وتحسرًا قائلا يا ليتني صاحبت رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم واتبعته في اتخاذ الإسلام طريقًا إلى الجنة، ويتحسَّر قائلا يا ليتني لم أتخذ الكافر فلانًا صديقًا أتبعه وأوده. لقد أضلَّني هذا الصديق عن القرآن بعد إذ جاءني. وكان الشيطان الرجيم خذولا للإنسان دائمًا. وفي هذه الآيات التحذير من مصاحبة قرين السوء؛ فإنه قد يكون سببًا لإدخال قرينه النار.
تفسير الوسيط
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي أى: والله لقد أضلنى هذا الصديق المشئوم عن الذكر أى: عن الهدى بعد إذ جاءني الرسول صلّى الله عليه وسلّم فالجملة الكريمة تعليل لتمنيه المذكور، وتوضيح لتملله. وأكده بلام القسم للمبالغة في بيان شدة ندمه وحسرته.
والمراد بالذكر هنا: ما يشمل القرآن الكريم، وما يشمل غيره من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلّم وفي التعبير بقوله: بَعْدَ إِذْ جاءَنِي إشعار بأن هدى الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد وصل إلى هذا الشقي، وكان في إمكانه أن ينتفع به.
ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا أى: وكان الشيطان دائما وأبدا. خذولا للإنسان. أى: صارفا إياه عن الحق، محرضا له على الباطل، فإذا ما احتاج الإنسان إليه خذله وتركه وفر عنه وهو يقول: إنى برىء منك.
يقال: خذل فلان فلانا، إذا ترك نصرته بعد أن وعده بها.
وهكذا تكون عاقبة الذين يتبعون أصدقاء السوء، وصدق الله إذ يقول: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ
ومن الأحاديث التي وردت في الأمر باتخاذ الصديق الصالح، وبالنهى ع.... المزيد
تفسير القرطبي
لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني أي يقول هذا النادم : لقد أضلني من اتخذته في الدنيا خليلا عن القرآن والإيمان به . وقيل : عن الذكر أي عن الرسول . وكان الشيطان للإنسان خذولا قيل : هذا من قول الله لا من قول الظالم . وتمام الكلام على هذا عند قوله : بعد إذ جاءني . والخذل : الترك من الإعانة ، ومنه خذلان إبليس للمشركين لما ظهر لهم في صورة سراقة بن مالك ، فلما رأى الملائكة تبرأ منهم . وكل من صد عن سبيل الله وأطيع في معصية الله فهو شيطان للإنسان ، خذولا عند نزول العذاب والبلاء . ولقد أحسن من قال :
تجنب قرين السوء واصرم حباله فإن لم تجد عنه محيصا فداره وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه
تنل منه صفو الود ما لم تماره وفي الشيب ما ينهى الحليم عن الصبا
إذا اشتعلت نيرانه في عذاره
وقال آخر :
اصحب خيار الناس حيث لقيتهم خير الصحابة من يكون عفيفا
والناس مثل دراهم ميزتها فوجدت منها فضة وزيوفا
وفي الصحيح من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع .... المزيد
تفسير السعدي
{ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي } حيث زين له ما هو عليه من الضلال بخدعه وتسويله. { وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } يزين له الباطل ويقبح له الحق، ويعده الأماني ثم يتخلى عنه ويتبرأ منه كما قال لجميع أتباعه حين قضي الأمر، وفرغ الله من حساب الخلق { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ } الآية. فلينظر العبد لنفسه وقت الإمكان وليتدارك الممكن قبل أن لا يمكن، وليوال من ولايته فيها سعادته وليعاد من تنفعه عداوته وتضره صداقته. والله الموفق..... المزيد
تفسير البغوي
( لقد أضلني عن الذكر ) عن الإيمان والقرآن ، ) ( بعد إذ جاءني ) يعني : الذكر مع الرسول ، ) ( وكان الشيطان ) وهو كل متمرد عات من الإنس والجن ، وكل من صد عن سبيل الله فهو شيطان . ) ( للإنسان خذولا ) أي : تاركا يتركه ويتبرأ منه عند نزول البلاء والعذاب ، وحكم هذه الآية عام في حق كل متحابين اجتمعا على معصية الله . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن العلاء ، أخبرنا أبو أسامة ، عن يزيد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " مثل الجليس الصالح والسوء ، كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة " .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن حياة بن شريح ، أخبرني سالم بن غيلان أن الوليد بن قيس ا.... المزيد
تفسير ابن كثير
( لقد أضلني عن الذكر ) [ وهو القرآن ] ( بعد إذ جاءني ) أي : بعد بلوغه إلي ، قال الله تعالى : ( وكان الشيطان للإنسان خذولا ) أي : يخذله عن الحق ، ويصرفه عنه ، ويستعمله في الباطل ، ويدعوه إليه .
تفسير الطبري
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله. وقوله: ( لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ) يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن هذا النادم على ما سلف منه في الدنيا, من معصية ربه في طاعة خليله: لقد أضلني عن الإيمان بالقرآن, وهو الذكر, بعد إذ جاءني من عند الله, فصدّني عنه، يقول الله: ( وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا ) يقول: مسلما لما ينـزل به من البلاء غير منقذه ولا منجيه.