آية رقم 138 - سورة البَقَرَة - تفسير القرآن الكريم
صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةٗۖ وَنَحۡنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ
تفسير الميسّر
الزموا دين الله الذي فطركم عليه، فليس هناك أحسنُ مِن فطرة الله التي فطر الناس عليها، فالزموها وقولوا نحن خاضعون مطيعون لربنا في اتباعنا ملَّة إبراهيم.
تفسير الوسيط
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك- أن دين الله وهو الإسلام أولى بالاتباع فقال تعالى:
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ.
الصبغة فعلة من صبغ كالجلسة من جلس وهي في أصل اللغة. الحالة التي يقع عليها الصبغ وهو تلوين الأشياء- كالثياب وغيرها- بألوان معينة واستعملت الصيغة في الآية بمعنى الإيمان بما فصلته الآية الكريمة وهي قوله تعالى قبل ذلك قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى. إلخ الآية. وإنما أطلقت الصبغة على الإيمان بما ذكرته الآية مفصلا، لأن الإيمان يمتزج بالقلوب امتزاج الصبغ بالمصبوغ، وتبدو آثاره على المؤمنين كما تبدو آثار الصبغ على المصبوغ. ويقال: تصبغ فلان في الدين إذا أحسن دينه وتقيد بتعاليمه تقيدا تاما.
وقوله: صِبْغَةَ اللَّهِ هكذا بالنصب على أنه وارد مورد المصدر المؤكد لقولهم (آمنا) فإنه في معنى صبغنا الله بالإيمان، وكأنهم قالوا صبغنا الله بالإيمان صبغته. وإيراد المصدر تأكيدا لفعل يوافقه في المعنى ويخالفه في ال.... المزيد
تفسير القرطبي
قوله تعالى : صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون فيه مسالتان : الأولى : قوله تعالى : صبغة الله قال الأخفش وغيره : دين الله ، وهو بدل من ( ملة ) وقال الكسائي : وهي منصوبة على تقدير اتبعوا . أو على الإغراء أي الزموا . ولو قرئت بالرفع لجاز ، أي هي صبغة الله . وروىشيبان عن قتادة قال : إن اليهود تصبغ أبناءهم يهودا ، وإن النصارى تصبغ أبناءهم نصارى ، وإن صبغة الله الإسلام . قال الزجاج : ويدلك على هذا أن صبغة بدل من ملة . وقال مجاهد : أي فطرة الله التي فطر الناس عليها . قال أبو إسحاق الزجاج : وقول مجاهد هذا يرجع إلى الإسلام ; لأن الفطرة ابتداء الخلق ، وابتداء ما خلقوا عليه الإسلام . وروي عن مجاهد والحسن وأبي العالية وقتادة : الصبغة الدين . وأصل ذلك أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في الماء ، وهو الذي يسمونه المعمودية ، ويقولون : هذا تطهير لهم . وقال ابن عباس : هو أن النصارى كانوا إذا ولد لهم ولد فأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم يقال له ماء المعمودية ، فصبغوه بذلك ليطهروا به مكان الختان ; لأن الختان تطهير ، فإذا فعلوا ذلك قالوا : الآن صار نصرانيا حقا ، فرد الله تعالى ذلك عليهم .... المزيد
تفسير السعدي
: الزموا صبغة الله, وهو دينه, وقوموا به قياما تاما, بجميع أعماله الظاهرة والباطنة, وجميع عقائده في جميع الأوقات, حتى يكون لكم صبغة, وصفة من صفاتكم، فإذا كان صفة من صفاتكم, أوجب ذلك لكم الانقياد لأوامره, طوعا واختيارا ومحبة, وصار الدين طبيعة لكم بمنزلة الصبغ التام للثوب الذي صار له صفة, فحصلت لكم السعادة الدنيوية والأخروية, لحث الدين على مكارم الأخلاق, ومحاسن الأعمال, ومعالي الأمور، فلهذا قال - على سبيل التعجب المتقرر للعقول الزكية-: { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً } أي: لا أحسن صبغة من صبغته وإذا أردت أن تعرف نموذجا يبين لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصبغ, فقس الشيء بضده، فكيف ترى في عبد آمن بربه إيمانا صحيحا, أثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح، فلم يزل يتحلى بكل وصف حسن, وفعل جميل, وخلق كامل, ونعت جليل، ويتخلى من كل وصف قبيح, ورذيلة وعيب، فوصفه: الصدق في قوله وفعله, والصبر والحلم, والعفة, والشجاعة, والإحسان القولي والفعلي, ومحبة الله وخشيته, وخوفه, ورجاؤه، فحاله الإخلاص للمعبود, والإحسان لعبيده، فقسه بعبد كفر بربه, وشرد عنه, وأقبل على غيره من المخلوقين فاتصف بالصفات.... المزيد
تفسير البغوي
قوله تعالى: {صبغة الله} قال ابن عباس في رواية الكلبي وقتادة والحسن: "دين الله"، وإنما سماه صبغة لأنه يظهر أثر الدين على المتدين كما يظهر أثر الصبغ على الثوب، وقيل: لأن المتدين يلزمه ولا يفارقه، كالصبغ يلزم الثوب، وقال مجاهد: "فطرة الله"، وهو قريب من الأول، وقيل: سنة الله، وقيل: أراد به الختان لأنه يصبغ صاحبه بالدم، قال ابن عباس: "هي أن النصارى إذا ولد لأحدهم ولد فأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم أصفر يقال له المعمودي وصبغوه به ليطهروه بذلك الماء مكان الختان، فإذا فعلوا به ذلك قالوا: الآن صار نصرانياً حقاً فأخبر الله أن دينه الإسلام لا ما يفعله النصارى".
وهو نُصب على الإغراء يعني الزموا دين الله ، قال الأخفش: "هي بدل من قوله ملة إبراهيم".
{ومن أحسن من الله صبغة} ديناً وقيل: تطهيراً.
{ونحن له عابدون} مطيعون ..... المزيد
تفسير ابن كثير
وقوله : ( صبغة الله ) قال الضحاك ، عن ابن عباس : دين الله . وكذا روي عن مجاهد ، وأبي العالية ، وعكرمة ، وإبراهيم ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وعبد الله بن كثير ، وعطية العوفي ، والربيع بن أنس ، والسدي ، نحو ذلك .
وانتصاب ( صبغة الله ) إما على الإغراء كقوله ( فطرة الله ) [ الروم : 30 ] أي : الزموا ذلك عليكموه . وقال بعضهم : بدل من قوله : ( ملة إبراهيم ) وقال سيبويه : هو مصدر مؤكد انتصب عن قوله : ( آمنا بالله ) كقوله ) واعبدوا الله ) [ النساء : 36 ] .
وقد ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه ، من رواية أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أن نبي الله قال : " إن بني إسرائيل قالوا : يا موسى ، هل يصبغ ربك ؟ فقال : اتقوا الله . فناداه ربه : يا موسى ، سألوك هل يصبغ ربك ؟ فقل : نعم ، أنا أصبغ الألوان : الأحمر والأبيض والأسود ، والألوان كلها من صبغي " . وأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم : ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ) .
كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعا ، وهو في رواية ابن أبي حاتم موقوف ، وهو أشبه ، إن صح إسناده ، والله أعلم ..... المزيد
تفسير الطبري
القول في تأويل قوله تعالى : صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)
قال أبو جعفر: يعنى تعالى ذكره ب " الصبغة " : صبغةَ الإسلام. وذلك أنّ النصارى إذا أرادت أن تنصِّر أطفالهم، جعلتهم في ماء لهم تزعم أن ذلك لها تقديس، بمنـزلة غُسل الجنابة لأهل الإسلام, وأنه صبغة لهم في النصرانية. (33)
فقال الله تعالى ذكره -إذ قالوا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين به: كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا -: قل لهم يا محمد: أيها اليهود والنصارى, بل اتبعوا ملة إبراهيمَ، صبغة الله التي هي أحسن الصِّبَغ, فإنها هي الحنيفية المسلمة, ودعوا الشركَ بالله، والضلالَ عن محجَّة هُداه.
* * *
ونصب " الصبغة " من قرأها نصبًا على الردِّ على " الملة ". وكذلك رَفع " الصبغة " من رَفع " الملة "، على ردّها عليها.
وقد يجوز رفعها على غير هذا الوجه. وذلك على الابتداء, بمعنى: هي صبغةُ الله.
وقد يجوز نصبها على غير وجه الرّد على " الملة ", ولكن على قوله: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ إلى قوله وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ،" صبغةَ الله .... المزيد