آية رقم 46 - سورة آل عِمران - تفسير القرآن الكريم

وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلٗا وَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ



تفسير الميسّر

ويكلم الناس في المهد بعد ولادته، وكذلك يكلمهم في حال كهولته بما أوحاه الله إليه. وهذا تكليم النبوَّة والدعوة والإرشاد، وهو معدود من أهل الصلاح والفضل في قوله وعمله.



تفسير الوسيط

وأما الصفة الثالثة من صفات عيسى- عليه السّلام- فهي قوله- تعالى- وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وهذه الجملة معطوفة على قوله وَجِيهاً وعطف الفعل على الاسم لتأويله به جائز والتقدير وجيها ومكلما، والمهد اسم لمضجع الطفل أى المكان الذي يهيأ له وهو في الرضاعة. والكهل: هو الشخص الذي اجتمعت قوته وكمل شبابه. وهو مأخوذ من قول العرب اكتهل النبات إذا قوى وتم.

والمراد أن عيسى- عليه السّلام- يكلم الناس في حال كونه صغيرا قبل أوان الكلام، كما يكلمهم في حال كهولته واكتمال شبابه، فهو- عليه السّلام- يكلمهم بكلام الأنبياء من غير تفاوت بين حالتي الطفولة والكهولة، وذلك إحدى معجزاته- عليه السّلام- وقد حكى القرآن في سورة مريم ما تكلم به عيسى- عليه السّلام- وهو طفل صغير فقال- تعالى-: فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا. قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا. وَالسَّلامُ .... المزيد



تفسير القرطبي

ويكلم الناس عطف على ( وجيها ) قاله الأخفش أيضا . و ( المهد ) مضجع الصبي في رضاعه . ومهدت الأمر هيأته ووطأته . وفي التنزيل فلأنفسهم يمهدون . وامتهد الشيء ارتفع كما يمتهد سنام البعير . وكهلا الكهل بين حال الغلومة وحال الشيخوخة . وامرأة كهلة . واكتهلت الروضة إذا عمها النور . يقول : يكلم الناس في المهد آية ، ويكلمهم كهلا بالوحي والرسالة . وقال أبو العباس : كلمهم في المهد حين برأ أمه فقال : إني عبد الله الآية . وأما كلامه وهو كهل فإذا أنزله الله تعالى من السماء أنزله على صورة ابن ثلاث وثلاثين سنة وهو الكهل فيقول لهم : إني عبد الله كما قال في المهد . فهاتان آيتان وحجتان . قال المهدوي : وفائدة الآية أنه أعلمهم أن عيسى عليه السلام يكلمهم في المهد ويعيش إلى أن يكلمهم كهلا ، إذ كانت العادة أن من تكلم في المهد لم يعش . قال الزجاج : وكهلا بمعنى ويكلم الناس كهلا . وقال الفراء والأخفش : هو معطوف على ( وجيها ) . وقيل : المعنى ويكلم الناس صغيرا وكهلا . وروى ابن جريج عن مجاهد قال : الكهل الحليم . قال النحاس : هذا لا يعرف في اللغة ، وإنما الكهل عند أهل اللغة من ناهز الأربعين . وقال بعضهم : يقال له حد.... المزيد



تفسير السعدي

{ ويكلم الناس فى المهد وكهلا } وهذا غير التكليم المعتاد، بل المراد يكلم الناس بما فيه صلاحهم وفلاحهم، وهو تكليم المرسلين، ففي هذا إرساله ودعوته الخلق إلى ربهم، وفي تكليمهم في المهد آية عظيمة من آيات الله ينتفع بها المؤمنون، وتكون حجة على المعاندين، أنه رسول رب العالمين، وأنه عبد الله، وليكون نعمة وبراءة لوالدته مما رميت به { ومن الصالحين } أي: يمن عليه بالصلاح، من من عليهم، ويدخله في جملتهم، وفي هذا عدة بشارات لمريم مع ما تضمن من التنويه بذكر المسيح عليه السلام.



تفسير البغوي

( ويكلم الناس في المهد ) صغيرا قبل أوان الكلام كما ذكره في سورة مريم قال : " إني عبد الله آتاني الكتاب " ( الآية - 30 ) وحكي عن مجاهد قال : قالت مريم : كنت إذا خلوت أنا وعيسى حدثني وحدثته فإذا شغلني عنه إنسان سبح في بطني وأنا أسمع قوله ( وكهلا ) قال مقاتل : يعني إذا اجتمع قبل أن يرفع إلى السماء وقال الحسين بن الفضل : ( وكهلا ) بعد نزوله من السماء وقيل : أخبرها أنه يبقى حتى يكتهل ، وكلامه بعد الكهولة إخباره عن الأشياء المعجزة ، وقيل : ( وكهلا ) نبيا بشرها بنبوة عيسى عليه السلام وكلامه في المهد معجزة وفي الكهولة دعوة وقال مجاهد : ( وكهلا ) أي حليما . والعرب تمدح الكهولة لأنها الحالة الوسطى في احتناك السن واستحكام العقل وجودة الرأي والتجربة ( ومن الصالحين ) أي : هو من العباد الصالحين.... المزيد



تفسير ابن كثير

وقوله : ( ويكلم الناس في المهد وكهلا ) أي : يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، في حال صغره ، معجزة وآية ، و [ في ] حال كهوليته حين يوحي الله إليه بذلك ( ومن الصالحين ) أي : في قوله وعمله ، له علم صحيح وعمل صالح .

قال محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن محمد بن شرحبيل ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تكلم مولود في صغره إلا عيسى وصاحب جريج " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو الصقر يحيى بن محمد بن قزعة ، حدثنا الحسين - يعني المروزي - حدثنا جرير - يعني ابن حازم - عن محمد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ، عيسى ، وصبي كان في زمن جريج ، وصبي آخر " ..... المزيد



تفسير الطبري

القول في تأويل قوله : وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)

قال أبو جعفر: وأما قوله: " ويكلمُ الناس في المهد "، فإن معناه: إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وجيهًا عند الله، ومُكلِّمًا الناسَ في المهد.

= ف " يكلم "، وإن كان مرفوعًا، لأنه في صورة " يفعل " بالسلامة من العوامل فيه، فإنه في موضع نصب، وهو نظير قول الشاعر: (1)

بِــتُّ أُعَشِّــيهَا بِعَضْــبٍ بَــاتِرِ

يَقْصِــدُ فِــي أَسْــوُقِهَا وَجَــائِرِ (2)

* * *

وأما " المهد "، فإنه يعني به: مضجع الصبيّ في رضاعه، كما:-

7071 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: " ويكلم الناس في المهد "، قال: مضجع الصبي في رَضَاعه.

* * *

وأما قوله : " وكهلا "، فإنه: وُمحتَنِكًا فوق الغُلومة، (3) ودُون الشيخوخة، يقال منه: " رجل كهل = وامرأة كهلة "، كما قال الراجز: (4)

وَلا أَعُـــودُ بَعْدَهَـــا كَرِيَّـــا

أُمَـــارِسُ الكَهْلَـــةَ وَالصَّبِيَّـــا (5)

* * *

وإنما عنى جل ثناؤه .... المزيد



سياسة الخصوصية   شروط الاستخدام