آية رقم 26 - سورة النِّسَاء - تفسير القرآن الكريم

يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمۡ وَيَهۡدِيَكُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَيَتُوبَ عَلَيۡكُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ



تفسير الميسّر

يريد الله تعالى بهذه التشريعات، أن يوضح لكم معالم دينه القويم، وشرعه الحكيم، ويدلكم على طرق الأنبياء والصالحين من قبلكم في الحلال والحرام، ويتوب عليكم بالرجوع بكم إلى الطاعات، وهو سبحانه عليم بما يصلح شأن عباده، حكيم فيما شرعه لكم.



تفسير الوسيط

وقوله- تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ استئناف مقرر لما سبق من الأحكام، وقد ساقه- سبحانه- لإيناس قلوب المؤمنين حتى يمتثلوا عن اقتناع وتسليم لما شرعه الله لهم من أحكام.

قال الآلوسى: ومثل هذا التركيب- قوله يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ. وقع في كلام العرب قديما وخرجه النحاة على مذاهب:

فقيل مفعول يُرِيدُ محذوف أى: يريد الله تحليل ما أحل وتحريم ما حرم ونحوه. واللام للتعليل.... ونسب هذا إلى سيبويه وجمهور البصريين.

فتعلق الإرادة غير التبيين، وإنما فعلوه لئلا يتعدى الفعل إلى مفعوله المتأخر عنه باللام وهو ممتنع أو ضعيف.

وذهب بعض البصريين إلى أن الفعل مؤول بالمصدر من غير سابك، كما قيل به في قولهم:

«تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» أى إرادتى كائنة للتبيين. وفيه تكلف.

وذهب الكوفيون إلى أن اللام هي الناصبة للفعل من غير إضمار أن، وهي وما بعدها مفعول للفعل المقدم أى: يريد الله البيان لكم «1» .

والمعنى: يريد الله- تعالى- بما شرع لكم من أحكام، وبما ذكر من محرمات ومباحات أن يبين لكم ما فيه خيركم وصلاحكم وسعادتكم، وأن يميز لكم بين الحلال والحرام و.... المزيد



تفسير القرطبي

قوله تعالى : يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم

أي ليبين لكم أمر دينكم ومصالح أمركم ، وما يحل لكم وما يحرم عليكم . وذلك يدل على امتناع خلو واقعة عن حكم الله تعالى ؛ ومنه قوله تعالى : ما فرطنا في الكتاب من شيء على ما يأتي . وقال بعد هذا : يريد الله أن يخفف عنكم فجاء هذا ب أن والأول باللام . فقال الفراء : العرب تعاقب بين لام كي وأن ؛ فتأتي باللام التي على معنى " كي " في موضع " أن " في أردت وأمرت ؛ فيقولون : أردت أن تفعل ، وأردت تفعل ؛ لأنهما يطلبان المستقبل . ولا يجوز ظننت لتفعل ؛ لأنك تقول ظننت أن قد قمت . وفي التنزيل وأمرت لأعدل بينكم وأمرنا لنسلم لرب العالمين . يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم . يريدون أن يطفئوا نور الله . قال الشاعر :

أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل

يريد أن أنسى . قال النحاس : وخطأ الزجاج هذا القول وقال : لو كانت اللام بمعنى " أن " لدخلت عليها لام أخرى ؛ كما تقول : جئت كي تكرمني ، ثم تقول جئت لكي تكرمني . وأنشدنا قيس بن عبادة :

أردت لكيما يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود.... المزيد



تفسير السعدي

يخبر تعالى بمنته العظيمة ومنحته الجسيمة، وحسن تربيته لعباده المؤمنين وسهولة دينه فقال: { يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } أي: جميع ما تحتاجون إلى بيانه من الحق والباطل، والحلال والحرام، { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } أي: الذين أنعم الله عليهم من النبيين وأتباعهم، في سيرهم الحميدة، وأفعالهم السديدة، وشمائلهم الكاملة، وتوفيقهم التام. فلذلك نفذ ما أراده، ووضح لكم وبين بيانا كما بين لمن قبلكم، وهداكم هداية عظيمة في العلم والعمل. { وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي: يلطف لكم في أحوالكم وما شرعه لكم حتى تمكنوا من الوقوف على ما حده الله، والاكتفاء بما أحله فتقل ذنوبكم بسبب ما يسر الله عليكم فهذا من توبته على عباده. ومن توبته عليهم أنهم إذا أذنبوا فتح لهم أبواب الرحمة وأوزع قلوبهم الإنابة إليه، والتذلل بين يديه ثم يتوب عليهم بقبول ما وفقهم له. فله الحمد والشكر على ذلك. وقوله: { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي: كامل الحكمة، فمن علمه أن علمكم ما لم تكونوا تعلمون، ومنها هذه الأشياء والحدود. ومن حكمته أنه يتوب على من اقتضت حكمته ورحمته التوبة عليه، ويخذل من اقتضت حكمته وعدله من .... المزيد



تفسير البغوي

قوله تعالى : ( يريد الله ليبين لكم ) أي : أن يبين لكم ، كقوله تعالى : " وأمرت لأعدل بينكم " ( الشورى - 15 ) أي : أن أعدل ، وقوله : " وأمرنا لنسلم لرب العالمين " ( الأنعام - 71 ) ، وقال في موضع آخر " وأمرت أن أسلم " ( غافر - 66 ) .

ومعنى الآية : يريد الله أن يبين لكم ، أي : يوضح لكم شرائع دينكم ومصالح أموركم ، قال عطاء : يبين لكم ما يقربكم منه ، قال الكلبي : يبين لكم أن الصبر عن نكاح الإماء خير لكم ، ( ويهديكم ) ويرشدكم ، ( سنن ) شرائع ، ( الذين من قبلكم ) في تحريم الأمهات والبنات والأخوات ، فإنها كانت محرمة على من قبلكم .

وقيل : ويهديكم الملة الحنيفية وهي ملة إبراهيم عليه السلام ، ( ويتوب عليكم ) ويتجاوز عنكم ما أصبتم قبل أن يبين لكم ، وقيل : يرجع بكم من المعصية التي كنتم عليها إلى طاعته ، وقيل : يوفقكم للتوبة ( والله عليم ) بمصالح عباده في أمر دينهم ودنياهم ، ( حكيم ) فيما دبر من أمورهم ..... المزيد



تفسير ابن كثير

يخبر تعالى أنه يريد أن يبين لكم - أيها المؤمنون - ما أحل لكم وحرم عليكم ، مما تقدم ذكره في هذه السورة وغيرها ، ( ويهديكم سنن الذين من قبلكم ) يعني : طرائقهم الحميدة واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها ( ويتوب عليكم ) أي من الإثم والمحارم ، ( والله عليم حكيم ) أي في شرعه وقدره وأفعاله وأقواله .



تفسير الطبري

القول في تأويل قوله : يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " يريد الله ليبين لكم "، حلاله وحرامَه =" وَيهديكم سُنن الذين من قبلكم "، يقول: وليسددكم (101) =" سُنن الذين من قبلكم "، يعني: سُبل من قبلكم من أهل الإيمان بالله وأنبيائه، ومناهجهم فيما حرّم عليكم من نكاح الأمهات والبنات والأخوات وسائر ما حرم عليكم في الآيتين اللتين بَيَّن فيهما ما حرّم من النساء (102) =" ويتوب عليكم "، يقول: يريد الله أن يرجع بكم إلى طاعته في ذلك، مما كنتم عليه من معصيته في فعلكم ذلك قبلَ الإسلام، وقبل أن يوحي ما أوحىَ إلى نبيه من ذلك =" عليكم "، ليتجاوز لكم بتوبتكم عما سلف منكم من قبيح ذلك قبل إنابتكم وتوبتكم =" والله عليم "، يقول: والله ذو علم بما يصلح عباده في أدْيانهم ودنياهم وغير ذلك من أمورهم، وبما يأتون ويذَرون مما أحل أو حرم عليهم، حافظ ذلك كله عليهم =" حكيم " بتدبيره فيهم، في تصريفهم فيما صرّفهم فيه. (103)

* * *

واختلف أهل العربية في معنى قوله: " ير.... المزيد



سياسة الخصوصية   شروط الاستخدام