آية رقم 65 - سورة النِّسَاء - تفسير القرآن الكريم
فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا
تفسير الميسّر
أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة أن هؤلاء لا يؤمنون حقيقة حتى يجعلوك حكمًا فيما وقع بينهم من نزاع في حياتك، ويتحاكموا إلى سنتك بعد مماتك، ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا مما انتهى إليه حكمك، وينقادوا مع ذلك انقيادًا تاماً، فالحكم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة في كل شأن من شؤون الحياة من صميم الإيمان مع الرضا والتسليم.
تفسير الوسيط
ثم بين- سبحانه- أن كل من يدعى الإيمان لا يكون إيمانه صادقا إلا إذا تقبل حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إذعان واقتناع فقال: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
والفاء في قوله فَلا للإفصاح عن شرط مقدر.
ولا يرى الزمخشري أنها زائدة لتقوية الكلام وتأكيد معنى القسم، فهي كقوله- تعالى-: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ .
ويرى ابن جرير أنها ليست زائدة، وإنما هي رد على ما تقدم ذكره من تحاكمهم إلى الطاغوت وتركهم حكم شريعة الإسلام فقد قال:
«يعنى- جل ثناؤه- بقوله فلا: أى فليس الأمر كما يزعمون أنهم يؤمنون بما أنزل إليك وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدون عنك إذا دعوا إليك يا محمد. ثم استأنف القسم- جل ذكره- فقال: وربك يا محمد لا يؤمنون أى: لا يصدقون بي وبك حتى يحكموك فيما شجر بينهم» .
وقوله فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ أى فيما اختلف بينهم من الأمور والتبس.
يقال: شجر بينهم الأمر يشجر شجرا وشجورا إذا تنازعوا.... المزيد
تفسير القرطبي
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما
فيه خمس مسائل :
الأولى : قال مجاهد وغيره : المراد بهذه الآية من تقدم ذكره ممن أراد التحاكم إلى الطاغوت وفيهم نزلت . وقال الطبري : قوله فلا رد على ما تقدم ذكره ؛ تقديره فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ، ثم استأنف القسم بقوله : وربك لا يؤمنون . وقال غيره : إنما قدم لا على القسم اهتماما بالنفي وإظهارا لقوته ، ثم كرره بعد القسم تأكيدا للتهمم بالنفي ، وكان يصح إسقاط لا الثانية ويبقى أكثر الاهتمام بتقديم الأولى ، وكان يصح إسقاط الأولى ويبقى معنى النفي ويذهب معنى الاهتمام . و " شجر " معناه اختلف واختلط ؛ ومنه الشجر لاختلاف أغصانه . ويقال لعصي الهودج : شجار ؛ لتداخل بعضها في بعض . قال الشاعر :
نفسي فداؤك والرماح شواجر والقوم ضنك للقاء قيام وقال طرفة :
وهم الحكام أرباب الهدى وسعاة الناس في الأمر الشجر وقالت طائفة : نزلت في الزبير مع الأنصاري ، وكانت الخصومة في سقي بستان ؛ فقال عليه السلام للزبير : اسق أرضك ثم أرسل الماء إلى أرض جارك . فقال الخصم : أراك تحابي .... المزيد
تفسير السعدي
ثم أقسم تعالى بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم، أي: في كل شيء يحصل فيه اختلاف، بخلاف مسائل الإجماع، فإنها لا تكون إلا مستندة للكتاب والسنة، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق، وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض، ثم لا يكفي ذلك حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن. فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان. فمَن استكمل هذه المراتب وكملها، فقد استكمل مراتب الدين كلها. فمَن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر، ومَن تركه، مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين..... المزيد
تفسير البغوي
قوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك ) الآية .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني عروة بن الزبير : أن الزبير رضي الله عنه كان يحدث أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرة كانا يسقيان به . كلاهما ، فقال رسول الله للزبير : اسق يا زبير ، ثم أرسل إلى جارك ، فغضب الأنصاري ، ثم قال : يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال للزبير : اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر ، فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ للزبير حقه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد به سعة له وللأنصاري ، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى للزبير حقه في صريح الحكم .
قال عروة : قال الزبير : والله ما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) الآية .
وروي أن الأنصاري الذي خاصم الزبير كان اسمه حاطب بن أبي بلتعة ف.... المزيد
تفسير ابن كثير
وقوله : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة : أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور ، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا ; ولهذا قال : ( ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) أي : إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به ، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة ، كما ورد في الحديث : " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " .
وقال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن جعفر ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة قال : خاصم الزبير رجلا في شريج من الحرة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك " فقال الأنصاري : يا رسول الله ، أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " اسق يا زبير ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ، ثم أرسل الماء إلى جارك " واستوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم ، حين أحفظه الأنصاري.... المزيد
تفسير الطبري
القول في تأويل قوله : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " فلا " فليس الأمر كما يزعمون: أنهم يؤمنون بما أنـزل إليك، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدّون عنك إذا دعوا إليك يا محمد = واستأنف القسم جل ذكره فقال: " وربك "، يا محمد =" لا يؤمنون "، أي: لا يصدقون بي وبك وبما أنـزل إليك =" حتى يحكموك فيما شجر بينهم "، يقول: حتى يجعلوك حكمًا بينهم فيما اختلط بينهم من أمورهم، فالتبس عليهم حكمه. يقال: " شجَر يشجُر شُجورًا وشَجْرًا "، و " تشاجر القوم "، إذا اختلفوا في الكلام والأمر،" مشاجرة وشِجارًا ".
* * *
=" ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت "، يقول: لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا مما قضيت. وإنما معناه: ثم لا تحرَج أنفسهم مما قضيت = أي: لا تأثم بإنكارها ما قضيتَ، وشكّها في طاعتك، وأن الذي قضيت به بينهم حقٌّ لا يجوز لهم خلافه، كما:-
9908 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاه.... المزيد