آية رقم 15 - سورة الأنفَال - تفسير القرآن الكريم
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ
القول في تفسير قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار
تفسير الميسّر
يا أيها الذين صَدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إذا قابلتم الذين كفروا في القتال متقاربين منكم فلا تُوَلُّوهم ظهوركم، فتنهزموا عنهم، ولكن اثبتوا لهم، فإن الله معكم وناصركم عليهم.
تفسير السعدي
يأمر اللّه تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الإيمانية، والقوة في أمره، والسعي في جلب الأسباب المقوية للقلوب والأبدان، ونهاهم عن الفرار إذا التقى الزحفان، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا} أي: في صف القتال، وتزاحف الرجال، واقتراب بعضهم من بعض، {فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ} بل اثبتوا لقتالهم، واصبروا على جلادهم، فإن في ذلك نصرة لدين اللّه، وقوة لقلوب المؤمنين، وإرهابا للكافرين.
تفسير الوسيط
قوله- سبحانه- زَحْفاً: مصدر زحف وأصله للصبي، وهو أن يزحف على استه قبل أن يمشى. ثم أطلق على الجيش الكثيف المتوجه لعدوه لأنه لكثرته وتكاتفه يرى كأنه جسم واحد يزحف ببطء وإن كان سريع السير.
قال الجمل: وفي المصباح: زحف القوم زحفا وزحوفا. ويطلق على الجيش الكثير زحف تسمية بالمصدر والجمع زحوف مثل فلس وفلوس. ونصب قوله: زَحْفاً على أنه حال من المفعول وهو الَّذِينَ كَفَرُوا أى إذا لقيتم الذين كفروا حال كونهم زاحفين نحوكم.
والأدبار: جمع دبر- بضمتين- وهو الخلف، ومقابله القبل وهو الأمام، ويطلق لفظ الدبر على الظهر وهو المراد هنا.
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بالله إيمانا حقا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زاحفين نحوكم لقتالكم فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ أى. فلا تفروا منهم، ولا تولوهم ظهوركم منهزمين، بل قابلوهم بقوة وغلظة وشجاعة، فإن من شأن المؤمن أن يكون شجاعا لا جبانا، ومقبلا غير مدبر.
فالمراد من تولية الأدبار: الانهزام، لأن المنهزم يولى ظهره وقفاه لمن انهزم منه.
وعدل من لفظ الظهور إلى الأدبار، تقبيحا للانهزام، وتنفيرا منه، لأن القبل والدبر يكنى بهما عن السوءتين.... المزيد
تفسير البغوي
قوله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا ) أي مجتمعين متزاحمين بعضكم إلى بعض ، والتزاحف : التداني في القتال : والزحف مصدر; لذلك لم يجمع ، كقولهم : قوم عدل ورضا . قال : الليث : الزحف جماعة يزحفون إلى عدو لهم بمرة ، فهم الزحف والجمع : الزحوف . ( فلا تولوهم الأدبار ) يقول : فلا تولوهم ظهوركم ، أي تنهزموا فإن المنهزم يولي دبره .
تفسير القرطبي
قوله تعالى ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : زحفا
قوله تعالى : زحفا الزحف الدنو قليلا قليلا . وأصله الاندفاع على الألية ; ثم سمي كل ماش في الحرب إلى آخر زاحفا . والتزاحف : التداني والتقارب ; يقال : زحف إلى العدو زحفا . وأزحف القوم ، أي مشى بعضهم إلى بعض . ومنه زحاف الشعر ، وهو أن يسقط بين الحرفين حرف فيزحف أحدهما إلى الآخر . يقول : إذا تدانيتم وتعاينتم فلا تفروا عنهم ولا تعطوهم أدباركم . حرم الله ذلك على المؤمنين حين فرض عليهم الجهاد وقتال الكفار . قال ابن عطية : والأدبار جمع دبر . والعبارة بالدبر في هذه الآية متمكنة الفصاحة ; لأنها بشعة على الفار ، ذامة له .
الثانية : أمر الله عز وجل في هذه الآية ألا يولي المؤمنون أمام الكفار . وهذا الأمر مقيد بالشريطة المنصوصة في مثلي المؤمنين ; فإذا لقيت فئة من المؤمنين فئة هي ضعف المؤمنين من المشركين فالفرض ألا يفروا أمامهم . فمن فر من اثنين فهو فار من الزحف . ومن فر من ثلاثة فليس بفار من الزحف ، ولا يتوجه عليه الوعيد . والفرار كبيرة موبقة بظاهر القرآن .... المزيد
تفسير ابن كثير
يقول تعالى متوعدا على الفرار من الزحف بالنار لمن فعل ذلك : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا ) أي : تقاربتم منهم ودنوتم إليهم ، ( فلا تولوهم الأدبار ) أي : تفروا وتتركوا أصحابكم
تفسير الطبري
القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله=(إذا لقيتم الذين كفروا) في القتال=(زحفًا)، يقول: متزاحفًا بعضكم إلى بعض= و " التزاحف "، التداني والتقارب (64) = " فلا تولوهم الأدبار "، يقول: فلا تولوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم, ولكن اثبتوا لهم، فإن الله معكم عليهم (65) .
-----------------
الهوامش :
(64) هذا الشرح لقوله : " التزاحف " ، لا تجده في معاجم اللغة ، فيقيد .
(65) انظر تفسير " التولي " فيما سلف من فهارس اللغة ( ولى ) .
= وتفسير " الدبر " فيما سلف 7 : 109 ، 110 10 : 170 ..... المزيد